dimanche 15 mai 2016

كتاب آخر أيام محمد

جل كتب التاريخ الإسلامي لا تقوم على البحث العلمي والسرد الأمين و الموضوعية في الطرح و النقد، بل يختلط فيها الحابل بالنابل : الأحداث التاريخية بالعاطفة و الروحانيات... حيث يُغيَّب فيها قدر المستطاع البعد البشري، الواقعي، و يكثر الجانب التقديسي والتهليلي الهادف لإبهار القارئ البسيط و ابقائه ضمن القطيع، يُسبِّح ويُكبّر دون تفكير ولا تحليل... أما القارئ الباحث على المعرفة فيضطر لغربلة المعلومات المسرودة بنفسه و لا ينجح في كثير من الأحيان في ذلك لما يتطلبه الأمر من وقت و جهد في البحث و المقارنة بين مختلف المصادر... وتبقى هناك استثناءات قليلة مثل كتب سيد القمني.

في هذا السياق، ظهر مؤخرا كتاب "آخر أيام محمد" للباحثة التونسية هالة وردي التي حاولت القطع مع هذا النمط التأريخي البائس، و تسليط الضوء على فترة حساسة جدا من التاريخ الإسلامي وهي تلك التي تخص الأيام الأخيرة من حياة نبي الإسلام والأيام الأولى التي تلت موته، وكل ما ميز تلك الفترة من أحداث كثيرا ما أحرجت رجال الدين (الهزائم العسكرية ضد البيزنطيين و تأثيرها على سلطة الرسول بين المسلمين، تعرضه للتسمم من قبل إمرأة يهودية، إستغلال ضعفه الصحي والسياسي من قبل بعض المقربين منه، عدم السماح له بكتابة وصيته، ترك جثته دون دفن لمدة ثلاثة أيام، بداية الصراع السني الشيعي الطامع في الخلافة، حروب الردة و ظهور أشخاص يدعون النبوة مثل مسيلمة، إغتيال ابنته فاطمة لأنها كانت وريثة غير مرغوب فيها، إلخ...)، أحداث كانت لها أسباب واقعية، سياسية بحتة، لا بد من التطرق إليها بموضوعية لفهم ما حدث آنذاك و فيما بعد. كما كان لها تأثير كبير لا فقط على المدى القريب بل و حتى البعيد والبعيد جدا، فالكثير منها لا يزال وقعه السياسي والديني قائما إلى يومنا هذا.

ثم، و إلى جانب المعلومات التاريخية التي قدمتها، فإن هالة وردي أرادت تمرير رسالة في غاية الأهمية، وهي أنه لا يجب فقط فصل الدين عن السياسة بل وأيضا عن المعرفة... فالأديان لديها مواضعها (دور العبادة، الكتب المقدسة، الكتب الروحانية، إلخ...) ولا يجب حشرها في المواضع التي تتناول المعرفة، على غرار كتب التاريخ، لأن ذلك يؤدي في أحسن الأحوال إلى الرقابة الذاتية (l'auto-censure)، وفي أسوئها إلى تحريف الوقائع و تجهيل الشعوب.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire